ذكرى أطفال جزائريين ماتوا في معسكرات الحركيين الفرنسية تخرج من طي النسيان

أهم الأخبار

ذكرى أطفال جزائريين ماتوا في معسكرات الحركيين الفرنسية تخرج من طي النسيان

"الحركيون" ظاهرة فرنسية بامتياز، تتعلق بحرب استقلال الجزائر عن فرنسا، لكن برزت الآن قضية مرتبطة بالحركيين، تتمثل في موت أطفال جزائريين، ودفنهم غير لائقة، وفي التفاصيل.

تتوقف العاملة في المقبرة أمام كومتين مهجورتين من التراب قائلة بصوت خافت "إنه هنا". وتنهار عباسية بالبكاء مرددة "آسفة ألف مرة!" قبل أن تضع يدها برفق على قبر بسيط يعود لأحد شقيقيها الصغار في جنوب فرنسا.

في السابع من شهر آب الماضي، تحت أشعة الشمس الحارقة، جاءت  عباسية دارجيد بعد سبعة وخمسين عامًا من وفاة شقيقيها التوأم، يحيى وعباس، بعد ولادتهما بفترة وجيزة في مخيم الحركيين بفرنسا، لزيارة قبريهما، "القبران ستة وثمانية، في الصفين اثنين وعشرين وخمسة وعشرين، في المساحة المخصصة للمسلمين في المقبرة الغربية.

 قبل الشروع في البحث، كان يتعين على عباسية أن تنتظر تحقيق الأبحاث الطويلة والدؤوبة للذاكرة التي قامت بها جمعيات الحركيين القدامى والمؤرخون والعائلات، التي كثفت نشاطها مؤخرًا وساهمت فيها الحكومة الفرنسية، لإنقاذ هذا الجزء المأساوي من التاريخ الفرنسي الجزائري من النسيان.

 أنجبت والدتها، بعد هروبها ونفيها من الجزائر، توأما عام ألف وتسعمئة واثنين وستين، في ظروف صعبة، في مستوصف مخيم الحركيين في ريفسالت جنوب البلاد، التي تبعد اثني عشر كيلومترًا عن هذه المقبرة. 

وتوفي الرضيعان، بعد أن مرضا ونقلا إلى المستشفى ببضعة أشهر. لكن العائلة لم تتسلم جثتيهما. وقالت عباسية إن والدها لم يتمكن سوى من رؤية يد عباس عندما توفي في المستشفى، ولم يعلم والداها شيئًا عن ظروف ومكان دفنهما.

وكان قبل ستين عامًا قد دُفن العشرات من الخدج أو الأطفال الصغار الذين توفوا خلال إقامتهم في معسكرات الحركيين التي كان يديرها الجيش في فرنسا، دون إجراء مراسم لائقة من قبل أقاربهم أو من قبل الجيش، في المخيمات أو في أماكن قريبة منها، في الحقول، وفي أكثر الأحيان دون شواهد تحمل أسماءهم، بحسب المؤرخين والعائلات التي جمعت رواياتها خلال تحقيق استمر عدة أشهر.

وتشير هذه الروايات إلى أن السلطات دفنت آخرين، كانوا قد توفوا في المستشفى، في مقابر، لكن بغياب أسرهم غالبا ودون إبلاغها بمصير جثث أطفالها. 

و"الحركيون" هم المقاتلون السابقون، وعددهم نحو مئتي ألف رجل، تم تجنيدهم للقتال إلى جانب الجيش الفرنسي أثناء حرب الاستقلال الجزائرية بين جبهة التحرير الوطني وفرنسا. 

 في نهاية هذه الحرب، التي اتسمت بالفظائع والتعذيب وخلفت صدمة في المجتمعين الجزائري والفرنسي، تخلت فرنسا عن الحركيين - المنحدرين غالبًا من أوساط ريفية ومتواضعة - ، وقتل العديد منهم في مذابح انتقامية في الجزائر.